فصل: 1186 - مسألة‏:‏ َيُجْزِئُ كِسْوَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِطْعَامُهُمْ إذَا كَانُوا مَسَاكِينَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


كَفَّارَاتُ الأَيْمَانِ

1176 - مسألة‏:‏

مَنْ حَنِثَ بِمُخَالَفَةِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْحِنْثِ لاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ‏.‏

1177 - مسألة‏:‏

وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْنَثَ فَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْكَفَّارَةَ قَبْلَ أَنْ يَحْنَثَ أَيَّ الْكَفَّارَاتِ لَزِمَتْهُ‏:‏ مِنْ الْعِتْقِ، أَوْ الْكِسْوَةِ، أَوْ الْإِطْعَامِ، أَوْ الصِّيَامِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ‏.‏

وقال أبو حنيفة، وَأَبُو سُلَيْمَانَ‏:‏ لاَ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ إِلاَّ بَعْدَ الْحِنْثِ‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ أَمَّا الْعِتْقُ، أَوْ الْكِسْوَةُ، أَوْ الْإِطْعَامُ، فَيُجْزِئُ تَقْدِيمُهُ قَبْلَ الْحِنْثِ وَأَمَّا الصِّيَامُ فَلاَ يُجْزِئُ إِلاَّ بَعْدَ الْحِنْثِ‏.‏ وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّينَ‏:‏ أَنَّ الْعِتْقَ، وَالْكِسْوَةَ، وَالْإِطْعَامَ‏:‏ مِنْ فَرَائِضِ الأَمْوَالِ، وَالأَمْوَالُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ، وَحُقُوقُ النَّاسِ جَائِزٌ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ آجَالِهَا وَأَمَّا الصَّوْمُ فَمِنْ فَرَائِضِ الأَبَدَانِ، وَفَرَائِضُ الأَبَدَانِ لاَ يُجْزِئُ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ أَوْقَاتِهَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ فَاسِدَةٌ، وَهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا عَلَى أَنَّ تَعْجِيلَ أَمْوَالِ النَّاسِ إنَّمَا تَجِبُ بِرِضَا صَاحِبِ الْحَقِّ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ مَعًا، لاَ بِرِضَا أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ، وَأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَجِبُ أَيْضًا فِيمَا هُوَ حَقٌّ لِلْإِنْسَانِ بِعَيْنِهِ فَتَرَاضَى هُوَ وَغَرِيمُهُ عَلَى تَقْدِيمِهِ أَوْ تَأْخِيرِهِ أَوْ إسْقَاطِهِ أَوْ إسْقَاطِ بَعْضِهِ‏.‏

وَأَمَّا كُلُّ مَا لَيْسَ لأَِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَقْتُهُ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ، وَلَيْسَ هَهُنَا مَالِكٌ بِعَيْنِهِ يَصِحُّ رِضَاهُ فِي تَقْدِيمِهِ، لاَ فِي تَأْخِيرِهِ، وَلاَ فِي إسْقَاطِهِ، وَلاَ فِي إسْقَاطِ بَعْضِهِ وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لاَ يَحِلُّ فِيهِ إِلاَّ مَا حُدَّ لِلَّهِ تَعَالَى

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ‏}‏‏.‏ وَيُقَالُ لَهُمْ أَيْضًا‏:‏ إنَّ حُقُوقَ النَّاسِ يَجُوزُ فِيهَا التَّأْخِيرُ وَالْإِسْقَاطُ، فَهَلْ يَجُوزُ فِي الْكَفَّارَاتِ الْإِسْقَاطُ، أَوْ التَّأْخِيرُ إلَى أَجَلٍ أَوْ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً‏.‏

وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ‏:‏ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا أَصَابُوا هَهُنَا فَقَدْ تَنَاقَضُوا جِدًّا لأََنَّهُمْ أَجَازُوا تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ إثْرَ الْيَمِينِ، وَقَبْلَ الْحِنْثِ‏.‏ وَلَمْ يُجِيزُوا تَقْدِيمَ الزَّكَاةِ إثْرَ كَسْبِ الْمَالِ لَكِنْ قَبْلَ الْحَوْلِ بِشَهْرٍ وَنَحْوِهِ، وَلاَ أَجَازُوا تَقْدِيمَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ إثْرَ ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ لَكِنْ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ فَأَقَلَّ فَقَطْ‏.‏ وَلَمْ يُجِيزُوا تَقْدِيمَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَصْلاً، وَلاَ بِسَاعَةٍ قَبْلَ مَا يُوجِبُهَا عِنْدَهُمْ مِنْ إرَادَةِ الْوَطْءِ، وَلاَ أَجَازُوا تَقْدِيمَ كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَإِ قَبْلَ مَا يُوجِبُهَا مِنْ مَوْتِ الْمَقْتُولِ، وَلاَ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ، وَلاَ كَفَّارَةِ قَتْلِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ قَبْلَ قَتْلِهِ‏.‏ وَأَجَازُوا إذْنَ الْوَرَثَةِ لِلْمُوصِي فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ لَهُمْ الْمَالُ بِمَوْتِهِ، فَظَهَرَ تَنَاقُضُ أَقْوَالِهِمْ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ‏.‏

وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَتَنَاقَضُوا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ، لأََنَّهُمْ أَجَازُوا تَقْدِيمَ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِثَلاَثَةِ أَعْوَامٍ، وَتَقْدِيمَ زَكَاةِ الزَّرْعِ إثْرَ زَرْعِهِ فِي الأَرْضِ، وَأَجَازُوا تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ بَعْدَ جِرَاحِهِ وَقَبْلَ مَوْتِهِ وَتَقْدِيمَ كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَإِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ‏.‏ وَلَمْ يُجِيزُوا لِلْوَرَثَةِ الْإِذْنَ فِي الْوَصِيَّةِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ قَبْلَ وُجُوبِ الْمَالِ لَهُمْ بِالْمَوْتِ، وَلاَ أَجَازُوا إسْقَاطَ الشَّفِيعِ حَقَّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ بَعْدَ عَرْضِ شَرِيكِهِ أَخْذَ الشِّقْصِ عَلَيْهِ قَبْلَ وُجُوبِ أَخْذِهِ لَهُ بِالْبَيْعِ ‏;‏ فَظَهَرَ تَخْلِيطُهُمْ وَسُخْفُ أَقْوَالِهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَعُوذُ مِنْ الْخِذْلاَنِ‏.‏ وَكُلُّهُمْ لاَ يُجِيزُ الأَسْتِثْنَاءَ قَبْلَ الْيَمِينِ، وَلاَ قَضَاءَ دَيْنٍ قَبْلَ أَخْذِهِ، وَلاَ صَلاَةَ قَبْلَ وَقْتِهَا، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُنَا، وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا الْمَانِعِينَ مِنْ تَقْدِيمِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ وَقْتٌ قَبْلَ وَقْتِهِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ الْكَفَّارَةُ لاَ تَجِبُ إِلاَّ بِالْحِنْثِ، وَهِيَ فَرْضٌ بَعْدَ الْحِنْثِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، فَتَقْدِيمُهَا قَبْلَ أَنْ تَجِبَ تَطَوُّعٌ لاَ فَرْضٌ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُجْزِئَ التَّطَوُّعُ عَنْ الْفَرْضِ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ‏}‏ وَالدَّلاَئِلُ هَهُنَا تَكْثُرُ جِدًّا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذِهِ أَدِلَّةٌ صِحَاحٌ ‏;‏ وَنَحْنُ مُوَافِقُونَ لَهُمْ فِي أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ شَيْءٌ مِنْ الشَّرِيعَةِ قَبْلَ وَقْتِهِ إِلاَّ فِي مَوْضِعَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، فَجَائِزٌ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ الْحِنْثِ، لَكِنْ بَعْدَ إرَادَةِ الْحِنْثِ، وَلاَ بُدَّ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ إسْقَاطُ الشَّفِيعِ حَقَّهُ بَعْدَ عَرْضِ الشَّفِيعِ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ أَوْ يَتْرُكَ قَبْلَ الْبَيْعِ، فَإِسْقَاطُهُ حَقَّهُ حِينَئِذٍ لاَزِمٌ لَهُ فَقَطْ‏.‏ وَإِنَّمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ لِلنُّصُوصِ الْمُخْرِجَةِ لِهَذَيْنِ الشَّرْعَيْنِ عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الشَّرِيعَةِ فِي أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ، وَلاَ يَجُوزُ أَدَاءُ شَيْءٍ مِنْهَا قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ مَنْ وَافَقَنَا هَهُنَا فِي تَصْحِيحِ قَوْلِنَا بِأَنْ قَالَ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ‏}‏‏.‏ قَالَ‏:‏ فَالْكَفَّارَةُ وَاجِبَةٌ بِنَفْسِ الْيَمِينِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَلاَ حُجَّةَ لَنَا فِي هَذَا، لأََنَّهُ قَدْ جَاءَ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقِّنُ‏:‏ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَحْنَثْ فَلاَ كَفَّارَةَ تَلْزَمُهُ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَفْسِ الْيَمِينِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ فِي الآيَةِ حَذْفًا بِلاَ خِلاَفٍ وَأَنَّهُ‏:‏ فَأَرَدْتُمْ الْحِنْثَ، أَوْ حَنِثْتُمْ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذِهِ دَعْوَى مِنْهُمْ فِي أَنَّ الْمَحْذُوفَ هُوَ ‏"‏ فَأَرَدْتُمْ الْحِنْثَ ‏"‏ لاَ يُقْبَلُ إِلاَّ بِبُرْهَانٍ، فَوَجَبَ طَلَبُ الْبُرْهَانِ فِي ذَلِكَ‏:‏

فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِهَا وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَفَّانَ، هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْت الْحَسَنَ هُوَ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ‏:‏، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ‏.‏ وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ يُحَدِّثُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قَالَ‏:‏ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ‏)‏‏.‏ فَهَذِهِ الأَحَادِيثُ جَامِعَةٌ لِجَمِيعِ أَحْكَامِ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ جَوَازِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ، لأََنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ تَقْدِيمَ الْحِنْثِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ‏.‏ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ‏.‏ وَفِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحِنْثِ وَالْكَفَّارَةِ بِوَاوِ الْعَطْفِ الَّتِي لاَ تُعْطِي رُتْبَةً هَكَذَا جَاءَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُ جَمِيعِهَا، وَلَمْ يَكُنْ بَعْضُهَا أَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِنْ بَعْضٍ، وَلاَ تَحِلُّ مُخَالَفَةُ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ، فَكَانَ ذَلِكَ جَائِزًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَصَحَّ بِهَذَا أَنَّ الْحَذْفَ الَّذِي فِي الآيَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا أَرَدْتُمْ الْحِنْثَ أَوْ حَنِثْتُمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُبَيِّنُ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏ وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ‏:‏ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ فَلْيُكَفِّرْ ثُمَّ لِيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ هُوَ مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا‏}‏‏.‏ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ‏}‏‏.‏ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قلنا لِلْمَلاَئِكَةِ اُسْجُدُوا لآدَمَ‏}‏‏.‏ قَالَ هَذَا الْقَائِلُ‏:‏ وَلَفْظَةُ ‏"‏ ثُمَّ ‏"‏ فِي هَذِهِ الآيَاتِ لاَ تُوجِبُ تَعْقِيبًا، بَلْ هِيَ وَاقِعَةٌ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ مَا عَطَفَ اللَّفْظَ عَلَيْهِ ‏"‏ بِثُمَّ ‏"‏‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لَيْسَ كَمَا ظَنُّوا‏:‏ أَمَّا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ فَإِنَّ نَصَّ الآيَاتِ هُوَ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ‏}‏‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ الْخَيْرِ فَصَحَّ بِهَذِهِ الآيَةِ عَظِيمُ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ فِي قَبُولِهِ كُلَّ عَمَلِ بِرٍّ عَمِلُوهُ فِي كُفْرِهِمْ ثُمَّ أَسْلَمُوا، فَالآيَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَهِيَ زَائِدَةٌ عَلَى سَائِرِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ قَبُولِهِ تَعَالَى أَعْمَالَ مَنْ آمَنَ ثُمَّ عَمِلَ الْخَيْرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

وَأَمَّا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ‏}‏ فَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا لأََنَّ أَوَّلَ الآيَةِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ‏}‏‏.‏ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ إبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا‏}

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ‏}‏‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ الصِّرَاطَ الَّذِي أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِاتِّبَاعِهِ وَأَتَانَا بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ صِرَاطُ إبْرَاهِيمَ عليه السلام، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ مُوسَى بِلاَ شَكٍّ ثُمَّ آتَى اللَّهُ تَعَالَى مُوسَى الْكِتَابَ، فَهَذَا تَعْقِيبٌ بِمُهْلَةٍ لاَ شَكَّ فِيهِ‏.‏

فأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قلنا لِلْمَلاَئِكَةِ اُسْجُدُوا لآدَمَ‏}‏ فَعَلَى ظَاهِرِهِ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ أَنْفُسَنَا وَصَوَّرَهَا، وَهِيَ الَّتِي أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْعَهْدَ‏:‏ ‏{‏أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى‏}‏‏.‏ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةَ لأَدَمَ عليه السلام، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الآيَاتِ ثُمَّ حَتَّى لَوْ خَرَجَتْ عَنْ ظَاهِرِهَا، أَوْ كَانَتْ ‏"‏ ثُمَّ ‏"‏ لِغَيْرِ التَّعْقِيبِ فِيهَا لَمْ يَجِبْ لِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ ‏"‏ ثُمَّ ‏"‏ لِغَيْرِ التَّعْقِيبِ حَيْثُمَا وُجِدَتْ، لأََنَّ مَا خَرَجَ عَنْ مَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ بِدَلِيلٍ فِي مَوْضِعٍ مَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْرُجَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَنْ مَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ وَهَذَا مِنْ تَمْوِيهِهِمْ الْفَاسِدِ الَّذِي لاَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ إِلاَّ فِي تَحْيِيرِ مَنْ لَمْ يُمْعِنْ النَّظَرَ فِي أَوَّلِ مَا يَفْجَئُونَهُ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ‏:‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ مَسْلَمَةَ بْنَ مَخْلَدٍ، وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ كَانَا يُكَفِّرَانِ قَبْلَ الْحِنْثِ‏.‏

وبه إلى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ‏:‏ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ دَعَا غُلاَمًا لَهُ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ حَنِثَ، فَصَنَعَ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ‏.‏

وبه إلى ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ‏:‏ كَانَ يُكَفِّرُ قَبْلَ الْحِنْثِ‏:‏

وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَالْحَسَنِ، وَرَبِيعَةَ، وَسُفْيَانَ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْهَاشِمِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي خَيْثَمَةَ، وَغَيْرِهِمْ‏.‏ وَلاَ يُعْلَمُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم إِلاَّ أَنَّ مُمَوِّهًا مَوَّهَ بِرِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الأَسْلَمِيِّ هُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ لاَ يُكَفِّرُ حَتَّى يَحْنَثَ وَهَذَا بَاطِلٌ، لأََنَّ ابْنَ أَبِي يَحْيَى مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ، ثُمَّ عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّ‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لِمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يُجِزْ الْكَفَّارَةَ قَبْلَ الْحِنْثِ، إنَّمَا فِيهِ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يُؤَخِّرُ الْكَفَّارَةَ بَعْدَ الْحِنْثِ فَقَطْ وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُ هَذَا‏.‏

1178 - مسألة‏:‏

وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يُعْتِقَ عَبْدَهُ هَذَا، فَأَعْتَقَهُ يَنْوِي بِعِتْقِهِ ذَلِكَ كَفَّارَةَ تِلْكَ الْيَمِينِ لَمْ يُجْزِهِ‏.‏ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى هَؤُلاَءِ الْعَشَرَةِ الْمَسَاكِينِ فَأَطْعَمَهُمْ يَنْوِي بِذَلِكَ كَفَّارَةَ يَمِينِهِ لَمْ يُجْزِهِ، وَلاَ يَحْنَثُ بِأَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ، لَكِنْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ‏.‏ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَصُومَ فِي هَذِهِ الْجُمُعَةِ، وَلاَ يَوْمًا، ثُمَّ صَامَ مِنْهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَنْوِي بِهَا كَفَّارَةَ يَمِينِهِ تِلْكَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ بِالصِّيَامِ لَمْ يُجْزِهِ، وَلاَ يَحْنَثُ بِأَنْ يَصُومَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لأََنَّ مَعْنَى الْكَفَّارَةِ بِلاَ شَكٍّ إسْقَاطُ الْحِنْثِ، وَالْحِنْثُ قَدْ وَجَبَ بِالْعِتْقِ، وَالْإِطْعَامِ، وَالْكِسْوَةِ، فَلاَ يَحْنَثُ بَعْدُ فِي يَمِينٍ قَدْ حَنِثَ فِيهَا، وَالْكَفَّارَةُ لاَ تَكُونُ الْحِنْثَ بِلاَ شَكٍّ، بَلْ هِيَ الْمُبْطِلَةُ لَهُ، وَالْحَقُّ لاَ يُبْطِلُ نَفْسَهُ‏.‏

1179 - مسألة‏:‏

وَصِفَةُ الْكَفَّارَةِ‏:‏ هِيَ أَنَّ مَنْ حَنِثَ، أَوْ أَرَادَ الْحِنْثَ وَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ بَعْدُ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ‏:‏ وَهُوَ إمَّا أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، وَأَمَّا أَنْ يَكْسُوَ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ، وَأَمَّا أَنْ يُطْعِمَهُمْ‏:‏ أَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ فَهُوَ فَرْضٌ، وَيَجْزِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏:‏ فَفَرْضُهُ صِيَامَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَلاَ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ مَا دَامَ يَقْدِرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا‏:‏ مِنْ الْعِتْقِ، أَوْ الْكِسْوَةِ، أَوْ الْإِطْعَامِ‏.‏ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ‏}‏‏.‏ وَمَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلاَفًا، وَلاَ نُبْعِدُهُ، لأََنَّ مَنْ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا‏}‏ أَنَّ هَذَا عَلَى التَّرْتِيبِ، لاَ عَلَى التَّخْيِيرِ فَغَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ فِي كَفَّارَةِ الأَيْمَانِ أَيْضًا‏:‏ إنَّهُ عَلَى التَّرْتِيبِ‏.‏ وَنَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ‏.‏

1180 - مسألة‏:‏

وَلاَ يُجْزِيهِ بَدَلَ مَا ذَكَرْنَا‏:‏ صَدَقَةٌ، وَلاَ هَدْيٌ، وَلاَ قِيمَةٌ، وَلاَ شَيْءٌ سِوَاهُ أَصْلاً، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا، فَمَنْ أَوْجَبَ فِي ذَلِكَ قِيمَةً فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ‏:‏ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَقَدْ شَرَعَ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا‏.‏

1181 - مسألة‏:‏

وَمَنْ حَنِثَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْإِطْعَامِ، أَوْ الْكِسْوَةِ، أَوْ الْعِتْقِ، ثُمَّ افْتَقَرَ فَعَجَزَ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ‏:‏ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ أَصْلاً، لأََنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ حِينَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ أَحَدُ هَذِهِ الْوُجُوهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَلاَ يَجُوزُ سُقُوطُ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقِينًا بِدَعْوَى كَاذِبَةٍ، لَكِنْ يُمْهَلُ حَتَّى يَجِدَ أَوْ لاَ يَجِدَ، فَاَللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ حِسَابِهِ‏;‏ وَأَمَّا مَا لَمْ يَحْنَثْ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ وُجُوبُ كَفَّارَةٍ بَعْدُ إِلاَّ أَنْ يُعَجِّلَهَا فَتُجْزِيهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1182 - مسألة‏:‏

وَمَنْ حَنِثَ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ‏:‏ فَفَرْضُهُ الصَّوْمُ قَدَرَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ، مَتَى قَدَرَ فَلاَ يُجْزِيهِ إِلاَّ الصَّوْمُ، فَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدَرَ عَلَى الْعِتْقِ، وَالْإِطْعَامِ، وَالْكِسْوَةِ لَمْ يُجْزِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ الصَّوْمَ، فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَصُمْ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ، أَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مَنْ يَصُومُ عَنْهُ، لأََنَّ الصَّوْمَ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وُجُوبُهُ حِينَ حَنِثَ، وَصَحَّ لُزُومُهُ إيَّاهُ فَلاَ يَجُوزُ سُقُوطُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ يَقِينًا، لاَ شَكَّ فِيهِ بِدَعْوَى كَاذِبَةٍ‏.‏ وَقَالَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ‏:‏ إنْ أَيْسَرَ قَبْلَ أَنْ يَصُومَ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الصَّوْمَ‏:‏ انْتَقَلَ حُكْمُهُ إلَى الْعِتْقِ، أَوْ الْإِطْعَامِ، أَوْ الْكِسْوَةِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذِهِ دَعْوَى فَاسِدَةٌ، وَلَيْتَ شِعْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يُعْسِرَ بَعْدَ أَنْ يُوسِرَ فَلاَ يَنْقُلُونَهُ إلَى جَوَازِ الصِّيَامِ عَنْهُ، أَوْ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ أَنْ يُوسِرَ بَعْدَ مَا يُعْسِرُ فَيَنْقُلُونَهُ إلَى وُجُوبِ الْعِتْقِ، أَوْ الْإِطْعَامِ، أَوْ الْكِسْوَةِ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ إنَّمَا لَزِمَهُ الصِّيَامُ لِضَرُورَةِ عَدَمِهِ‏.‏

قلنا‏:‏ كَذَبَ مَنْ قَالَ هَذَا، وَأَخْبَرَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ، وَقَدْ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى عَوَّضَ مِنْ الْعِتْقِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَقَتْلِ الْخَطَإِ‏:‏ الصِّيَامَ لاَ الْإِطْعَامَ، ثُمَّ عَوَّضَ مِنْ الصِّيَامِ مَنْ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ الْإِطْعَامَ وَلَمْ يُعَوِّضْ مِنْهُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ إطْعَامًا، وَخَيَّرَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ، وَالْهَدْيِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلاَ يَجُوزُ تَغْيِيرُ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مَا أَوْجَبَهُ‏.‏ وَاخْتَلَفَ الْمُخَالِفُونَ لَنَا فِي هَذَا‏:‏ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ‏:‏ إنْ قَدَرَ عَلَى الْإِطْعَامِ، أَوْ الْكِسْوَةِ، أَوْ الْعِتْقِ، قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ جَمِيعَ صِيَامِ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ‏:‏ بَطَلَ حُكْمُ الصَّوْمِ، وَلَزِمَهُ أَحَدُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ قَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ‏:‏ إنْ كَانَ قَدْ أَتَمَّ صِيَامَ يَوْمَيْنِ صَامَ الْيَوْمَ الثَّالِثَ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ تَمَامَ الْيَوْمَيْنِ انْتَقَلَ عَنْ حُكْمِ الصَّوْمِ وَلَزِمَهُ أَحَدُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إنْ كَانَ قَدْ تَمَّ لَهُ صِيَامُ يَوْمٍ وَاحِدٍ تَمَادَى عَلَى صِيَامِ الْيَوْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ وَأَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتِمَّ لَهُ صِيَامُ يَوْمٍ وَاحِدٍ انْتَقَلَ عَنْ حُكْمِ الصَّوْمِ وَلَزِمَهُ أَحَدُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ‏.‏

وقال مالك‏:‏ إنْ دَخَلَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ أَيْسَرَ فَلْيَتَمَادَ فِي صَوْمِهِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ بَطَلَ حُكْمُ الصَّوْمِ وَانْتَقَلَ إلَى الْعِتْقِ، أَوْ الْكِسْوَةِ، أَوْ الْإِطْعَامِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ‏.‏

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا‏}‏‏.‏ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لاَ نَصَّ قُرْآنٍ فِيهَا، وَلاَ سُنَّةٍ‏:‏ فَصَحَّ أَنَّهَا آرَاءٌ مُجَرَّدَةٌ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ يَسَارِهِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الصَّوْمِ، وَبَيْنَ يَسَارِهِ بَعْدَ أَنْ يَشْرَعَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ لِلْحَالِ الَّتِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا عَلَيْهِ مَا أَوْجَبَ‏.‏ وَنَسْأَلُهُمْ كُلَّهُمْ عَمَّنْ حَنِثَ وَهُوَ مُعْسِرٌ‏:‏ هَلْ عَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى كَفَّارَةٌ مُفْتَرَضَةٌ أَمْ لَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ مُفْتَرَضَةٌ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا فَمِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ كَفَّارَةً مُفْتَرَضَةً وَلَوْ قَالُوا‏:‏ غَيْرَ هَذَا لَخَالَفُوا نَصَّ الْقُرْآنِ بِلاَ بُرْهَانٍ ‏;‏ فَإِذْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ، وَلاَ بُدَّ، فَنَسْأَلُهُمْ مَا هِيَ ‏؟‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ هِيَ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ

قلنا‏:‏ صَدَقْتُمْ، فَإِذْ قَدْ أَقْرَرْتُمْ بِذَلِكَ فَمِنْ أَيْنَ سَقَطَتْ عِنْدَكُمْ بِيَسَارِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ هَذَا فِي الْقُرْآنِ، وَلاَ فِي السُّنَّةِ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ‏.‏

وَإِنْ قَالُوا‏:‏ هِيَ غَيْرُ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، أَوْ قَسَمُوا كَانُوا قَائِلِينَ بِلاَ بُرْهَانٍ، وَكَفَوْنَا مُؤْنَتَهُمْ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ‏.‏ وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِ‏.‏

1183 - مسألة‏:‏

وَيُجْزِئُ فِي الْعِتْقِ فِي كُلِّ ذَلِكَ‏:‏ الْكَافِرُ، وَالْمُؤْمِنُ، وَالصَّغِيرُ، وَالْكَبِيرُ، وَالْمَعِيبُ، وَالسَّالِمُ، وَالذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى، وَوَلَدُ الزِّنَى، وَالْمُخْدِمُ، وَالْمُؤَاجِرُ، وَالْمَرْهُونُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرَةُ، وَالْمُدَبَّرُ، وَالْمَنْذُورُ عِتْقُهُ، وَالْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ، وَالْمُكَاتَبُ مَا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا، فَإِنْ كَانَ أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَمْ يُجْزِ فِي ذَلِكَ، وَلاَ يُجْزِئُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى الْمَرْءِ بِحُكْمٍ وَاجِبٍ، وَلاَ نِصْفَا رَقَبَتَيْنِ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ ذَلِكَ فِي ‏"‏ كِتَابِ الصِّيَامِ ‏"‏ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ‏.‏ وَعُمْدَةُ الْبُرْهَانِ فِي ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ‏}‏‏.‏ فَلَمْ يَخُصَّ رَقَبَةً مِنْ رَقَبَةٍ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قِسْنَا الرَّقَبَةَ فِي هَذَا عَلَى رَقَبَةِ الْقَتْلِ لاَ تُجْزِئُ إِلاَّ مُؤْمِنَةٌ‏.‏ قلنا‏:‏ فَقِيسُوهَا عَلَيْهَا فِي تَعْوِيضِ الْإِطْعَامِ مِنْهَا‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لاَ نَفْعَلُ، لأََنَّنَا نُخَالِفُ الْقُرْآنَ وَنَزِيدُ عَلَى مَا فِيهِ قلنا‏:‏ وَزِيَادَتُكُمْ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً، وَلاَ بُدَّ خِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ وَزِيَادَةٌ عَلَى مَا فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ فِي أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ جَائِزًا فَهُوَ فِي الآخَرِ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا غَيْرَ جَائِزٍ فَهُوَ فِي الآخَرِ غَيْرُ جَائِزٍ‏.‏ فَإِنْ احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ‏:‏ إنَّ الْقَائِلَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهُ لَطَمَ وَجْهَ جَارِيَةٍ لَهُ وَعَلَيَّ رَقَبَةٌ أَفَأُعْتِقُهَا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ‏:‏ فِي السَّمَاءِ، قَالَ‏:‏ مَنْ أَنَا قَالَتْ‏:‏ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ عليه السلام‏:‏ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لأََنَّهَا بِنَصِّ الْخَبَرِ لَمْ تَكُنْ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، وَلاَ وَطْءٍ فِي رَمَضَانَ، وَلاَ عَنْ ظِهَارٍ‏.‏ وَهُمْ يُجِيزُونَ الْكَافِرَةَ فِي الرَّقَبَةِ الْمَنْذُورَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ، فَقَدْ خَالَفُوا مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَاحْتَجُّوا بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ‏.‏

وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ‏:‏ لاَ تُجْزِئُ إِلاَّ مُؤْمِنَةٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ‏:‏ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ، وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُ عِتْقَ الْمُؤْمِنَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنْ لاَ يَجُوزَ عِتْقُ الْكَافِرَةِ، فَنَحْنُ لاَ نَمْنَعُ مِنْ عِتْقِهَا‏.‏

فإن قيل‏:‏ قَدْ رَوَيْتُمْ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ الشَّرِيدَ قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّيَ أَمَرَتْنِي أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا رَقَبَةً، وَعِنْدِي أَمَةٌ سَوْدَاءُ أَفَأُعْتِقُهَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُدْعُ بِهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَبُّكِ قَالَتْ‏:‏ اللَّهُ، قَالَ‏:‏ فَمَنْ أَنَا قَالَتْ‏:‏ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ‏:‏ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ فَهَذَا عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ لأََنَّهُمْ يُجِيزُونَ فِي رَقَبَةِ الْوَصِيَّةِ كَافِرَةً، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَوْ انْسَنَدَ لَقُلْنَا بِهِ فِي الْمُوصَى بِعِتْقِهَا كَمَا وَرَدَ‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ كَمَا لاَ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ كَافِرٌ كَذَلِكَ لاَ يُعْتَقُ فِي الْفَرْضِ كَافِرٌ

قلنا‏:‏ هَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ، لأََنَّهُ دَعْوَى لاَ تُقَابَلُ إِلاَّ بِالتَّكْذِيبِ وَالرَّدِّ فَقَطْ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ، وَلاَ رَسُولَهُ عليه السلام‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ يُجْزِئُ الْيَهُودِيُّ، وَالنَّصْرَانِيُّ، فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ مِثْلُهُ أَيْضًا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ يُجْزِئُ الأَعْمَى فِي الْكَفَّارَةِ‏.‏ وَعَنْ الْحَسَنِ، وَطَاوُوسٍ‏:‏ يُجْزِئُ الْمُدَبَّرُ فِي الْكَفَّارَةِ‏.‏ وَعَنْ الْحَسَنِ، وَطَاوُوسٍ، وَالنَّخَعِيِّ‏:‏ تُجْزِئُ أُمُّ الْوَلَدِ فِي الْكَفَّارَةِ‏.‏

وَأَمَّا وَلَدُ الزِّنَى‏:‏ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ‏:‏ لاََنْ أَتَصَدَّقَ بِثَلاَثِ تَمَرَاتٍ، أَوْ أُمَتِّعَ بِسَوْطٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ وَلَدَ زِنًى‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لِعَبْدٍ لَهُ‏:‏ لَوْلاَ أَنَّك وَلَدُ زِنًى لاََعْتَقْتُك‏.‏ وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ‏:‏ لاَ يُجْزِئُ وَلَدُ الزِّنَى فِي رَقَبَةٍ وَاجِبَةٍ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ وَلَدَ زِنًى‏.‏

وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْهُ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الضَّبِّيِّ عَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام‏:‏ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ وَلَدِ الزِّنَى فَقَالَ‏:‏ لاَ خَيْرَ فِيهِ، نَعْلاَنِ أُجَاهِدُ أَوْ قَالَ أُجَهِّزُ بِهِمَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ وَلَدَ الزِّنَى‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ إسْرَائِيلُ ضَعِيفٌ، وَأَبُو يَزِيدَ مَجْهُولٌ، وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ قَالاَ جَمِيعًا‏:‏ لاَ يُجْزِئُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبِ وَلَدُ زِنًى‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَأَجَازَهُ طَاوُوسٌ،، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ‏.‏ وَلاَ يُسَمَّى نِصْفَا رَقَبَتَيْنِ رَقَبَةً وَمَنْ أَعْتَقَ بِحُكْمٍ فَلَمْ يُعْتِقْ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَلاَ يُجْزِئُ فِيهَا‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1184- مسألة‏:‏

وَلاَ يُجْزِئُ إطْعَامُ مِسْكِينٍ وَاحِدٍ أَوْ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ يُرْدَدُ عَلَيْهِمْ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ، وَهُنَا خِلاَفُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يَجُوزُ وَرُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ الْحَسَنِ، وَخَالَفَهُ الشَّعْبِيُّ، وَلاَ يُجْزِئُ إِلاَّ مِثْلُ مَا يُطْعِمُ الْإِنْسَانُ أَهْلَهُ، فَإِنْ كَانَ يُعْطِي أَهْلَهُ الدَّقِيقَ، فَلْيُعْطِ الْمَسَاكِينَ الدَّقِيقَ، وَإِنْ كَانَ يُعْطِي أَهْلَهُ الْحَبَّ فَلْيُعْطِ الْمَسَاكِينَ الْحَبَّ، وَإِنْ كَانَ يُعْطِي أَهْلَهُ الْخُبْزَ، فَلْيُعْطِ الْمَسَاكِينَ الْخُبْزَ، وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَطْعَمَ أَهْلَهُ فَمِنْهُ يُطْعِمُ الْمَسَاكِينَ، وَلاَ يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ أَصْلاً، لأََنَّهُ خِلاَفُ نَصِّ الْقُرْآنِ وَيُعْطِي مِنْ الصِّفَةِ، وَالْمَكِيلِ الْوَسَطِ لاَ الأَعْلَى، وَلاَ الأَدْنَى كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا‏:‏ فَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ‏:‏ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ حِنْطَةٍ، أَوْ صَاعُ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ‏.‏ وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ‏.‏

وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ حِنْطَةٍ‏.‏ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِثْلُهُ‏.‏ وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ‏:‏ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ أَوْ صَاعُ تَمْرٍ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَقَالَ‏:‏ أَوْ أَكْلَةٌ مَأْدُومَةٌ‏.‏ وَقَالَ الْحَسَنُ‏:‏ مَكُّوكُ حِنْطَةٍ، وَمَكُّوكُ تَمْرٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ‏.‏ وَالْمَكُّوكُ نِصْفُ صَاعٍ‏.‏ قَالَ الْحَسَنُ‏:‏ وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَهُمْ أَكْلَةً خُبْزًا، وَلَحْمًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَخُبْزًا وَسَمْنًا وَلَبَنًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَخُبْزًا وَخَلًّا وَزَيْتًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ‏.‏ وَقَالَ قَتَادَةَ أَيْضًا‏:‏ مَكُّوكُ تَمْرٍ، وَمَكُّوكُ حِنْطَةٍ‏.‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مُدُّ بُرٍّ، وَمُدُّ تَمْرٍ هَذَا كُلُّهُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ‏.‏ وَقَالَ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ‏:‏ عَشْرَةُ أَمْدَادٍ لِعَشَرَةِ مَسَاكِينَ، وَمُدَّانِ لِلْحَطَبِ، وَالْإِدَامِ‏.‏ وَعَنْ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ‏:‏ يَجْمَعُهُمْ فَيُشْبِعُهُمْ مَرَّةً وَاحِدَةً‏.‏ وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ‏:‏ مُدُّ تَمْرٍ وَمُدُّ حِنْطَةٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ‏.‏ وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ حِنْطَةٍ‏.‏ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ مِثْلُهُ أَيْضًا‏.‏ وَعَنْ عَطَاءٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ‏.‏

وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ إنْ كَانَ خُبْزًا يَابِسًا‏:‏ فَعَشَاءٌ وَغَدَاءٌ‏.‏ وَعَنْ عَلِيٍّ يُغَدِّيهِمْ، وَيُعَشِّيهِمْ‏:‏ خُبْزًا، وَزَيْتًا، وَسَمْنًا، وَلاَ يَصِحُّ عَنْهُمَا‏.‏ وَعَنْ الْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَغَيْرِهِمْ‏:‏ غَدَاءٌ، وَعَشَاءٌ‏.‏

وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا‏:‏ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُحَيَّاةِ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ بُرَيْدَةَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنْ كَانَ خُبْزًا يَابِسًا فَغَدَاءٌ وَعَشَاءٌ وَهَذَا مُرْسَلٌ وَلَيْثٌ ضَعِيفٌ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، أَوْ صَاعُ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ، وَمِنْ دَقِيقِ الْبُرِّ وَسَوِيقِهِ نِصْفُ صَاعٍ، وَمِنْ دَقِيقِ الشَّعِيرِ وَسَوِيقِهِ صَاعٌ، فَإِنْ أَطْعَمَهُمْ‏:‏ فَغَدَاءٌ، وَعَشَاءٌ أَوْ غَدَاءٌ، وَغَدَاءٌ أَوْ عَشَاءٌ وَعَشَاءٌ أَوْ سَحُورٌ وَغَدَاءٌ أَوْ سَحُورٌ وَعَشَاءٌ‏.‏ وَلاَ يُجْزِئُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ‏:‏ دَقِيقٌ، وَلاَ سَوِيقٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذِهِ أَقْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ لاَ حُجَّةَ بِشَيْءٍ مِنْهَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْجَبَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ لِلأَذَى لِلْمُحْرِمِ نِصْفَ صَاعٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، لأََنَّ نَصَّ ذَلِكَ الْخَبَرِ نِصْفُ صَاعِ تَمْرٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ وَهُوَ خِلاَفُ قَوْلِهِمْ‏.‏ وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى السَّاجِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَشِيُّ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ كَفَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُعْطُوا، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَنِصْفُ صَاعٍ‏.‏ وَهَذَا خَبَرٌ سَاقِطٌ، لأََنَّ زِيَادَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ضَعِيفٌ، وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ وَقَدْ يُنْسَبُ إلَى جَدِّهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ‏.‏ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ خِلاَفًا لِقَوْلِهِمْ، لأََنَّهُمْ لاَ يُجِيزُونَ نِصْفَ صَاعِ تَمْرٍ أَلْبَتَّةَ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ الضَّرِيرُ عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ قَالَ‏:‏ الْخُبْزُ وَاللَّبَنُ، وَالْخُبْزُ وَالزَّيْتُ، وَالْخُبْزُ وَالسَّمْنُ وَمِنْ أَعْلَى مَا يُطْعِمُهُمْ‏:‏ الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ‏:‏ أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ كَفَّرَ عَنْ يَمِينٍ فَعَجَنَ فَأَطْعَمَهُمْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي الْمُغِيرَةِ وَكَانَ ثِقَةً عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ كَانَ الرَّجُلُ يُقَوِّتُ أَهْلَهُ قُوتًا فِيهِ سَعَةٌ، وَبَعْضُهُمْ قُوتًا دُونًا، وَبَعْضُهُمْ قُوتًا وَسَطًا، فَقِيلَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ‏.‏

وَرُوِّينَا نَحْوَ هَذَا عَنْ شُرَيْحٍ، وَالأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالشَّعْبِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهُوَ قَوْلُنَا، وَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ حَدَّ كَيْلاً مَا، وَمَنْ مَنَعَ مِنْ إطْعَامِ الْخُبْزِ، وَالدَّقِيقِ، وَمَنْ أَوْجَبَ أَكْلَتَيْنِ، فَأَقْوَالٌ لاَ حُجَّةَ لَهَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ لاَ مُخَالِفَ لَهُ مِنْهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ‏.‏

1185 - مسألة‏:‏

وَأَمَّا الْكِسْوَةُ فَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ كِسْوَةٍ‏:‏ قَمِيصٌ، أَوْ سَرَاوِيلُ، أَوْ مُقَنِّعٌ، أَوْ قَلَنْسُوَةٌ، أَوْ رِدَاءٌ، أَوْ عِمَامَةٌ، أَوْ بُرْنُسٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ‏.‏ وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى كِسْوَةً دُونَ كِسْوَةٍ لَبَيَّنَ لَنَا ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا فَتَخْصِيصُ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ عَنْ الْكِسْوَةِ فِي الْكَفَّارَةِ فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ‏:‏ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ وَفْدًا دَخَلُوا عَلَى أَمِيرِهِمْ فَكَسَا كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَلَنْسُوَةً، قَالَ النَّاسُ‏:‏ إنَّهُ قَدْ كَسَاهُمْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسَدَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ التَّنُّورِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ‏:‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ‏:‏ تُجْزِئُ الْعِمَامَةُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏.‏

وقال مالك‏:‏ لاَ تُجْزِي إِلاَّ مَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلاَةُ وَهَذَا لاَ وَجْهَ لَهُ، لأََنَّهُ قَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ وَاخْتَلَفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي السَّرَاوِيلِ وَحْدَهَا، وَلاَ يُجْزِئُ عِنْدَهُ عِمَامَةٌ فَقَطْ، وَقَالُوا‏:‏ لَوْ أَنَّ إنْسَانًا لَمْ يَلْبَسْ إِلاَّ عِمَامَةً فَقَطْ، لَقَالَ النَّاسُ‏:‏ هَذَا عُرْيَانُ‏:‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ لَنَا‏:‏ اُكْسُوهُمْ مَا لاَ يَقَعُ عَلَيْهِمْ بِهِ اسْمُ عُرْيَانَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا‏.‏ وَلَوْ أَنَّ امْرَأً لَبِسَ قَمِيصًا، وَسَرَاوِيلَ فِي الشِّتَاءِ لَقَالَ النَّاسُ‏:‏ هَذَا عُرْيَانُ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذْ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ تُجْزِئُ الْعِمَامَةُ وَهِيَ كِسْوَةٌ ثُمَّ يَقُولُ‏:‏ لَوْ كَسَاهُمْ ثَوْبًا وَاحِدًا يُسَاوِي عَشْرَةَ أَثْوَابٍ، أَوْ أَعْطَاهُمْ بَغْلَةً، أَوْ حِمَارَةً تُسَاوِي عَشْرَةَ أَثْوَابٍ أَجْزَأَهُ‏:‏ ثُمَّ تَدَبَّرْنَا هَذَا‏:‏ فَرَأَيْنَا ضَرُورَةَ أَنَّ الْكِسْوَةَ عَلَى الْإِطْلاَقِ مُنَافِيَةٌ لِلْعُرْيِ، إذْ مُمْتَنَعٌ مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ كَاسِيًا عَارِيًّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، لَكِنْ يَكُونُ كَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ‏:‏ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ كَاسِيًا، وَبَعْضُهُ عَارِيًّا أَوْ يَكُونُ عَلَيْهِ كِسْوَةٌ تَعُمُّهُ، وَلاَ تَسْتُرُ بَشَرَتَهُ كَمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الْكِسْوَةَ لاَ يَكُونُ مَعَهَا عُرْيٌ إذَا كَانَتْ عَلَى الْإِطْلاَقِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَطْلَقَهَا، وَلَمْ يَذْكُرْهَا بِإِضَافَةٍ‏.‏ وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ كِسْوَةٌ سَابِغَةٌ إِلاَّ أَنَّ رَأْسَهُ عَارٍ أَوْ ظَهْرَهُ أَوْ عَوْرَتَهُ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ لاَ يُسَمَّى كَاسِيًا، وَلاَ مُكْتَسِيًا إِلاَّ بِإِضَافَةٍ، فَوَجَبَ ضَرُورَةً أَنْ لاَ تَكُونَ الْكِسْوَةُ إِلاَّ عَامَّةً لِجَمِيعِ الْجِسْمِ، سَاتِرَةً لَهُ عَنْ الْعُيُونِ، مَانِعَةً مِنْ الْبَرْدِ، لأََنَّهُ بِالضَّرُورَةِ يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي ‏"‏ كَانُونَ الأَوَّلِ ‏"‏ مُغَطًّى بِرِدَاءِ قَصَبٍ فَقَطْ‏:‏ أَنَّهُ لاَ يُسَمِّيهِ أَحَدٌ كَاسِيًا، بَلْ هُوَ عُرْيَانُ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1186 - مسألة‏:‏

وَيُجْزِئُ كِسْوَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِطْعَامُهُمْ إذَا كَانُوا مَسَاكِينَ، بِخِلاَفِ الزَّكَاةِ، لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ هَهُنَا نَصٌّ بِتَخْصِيصِ الْمُؤْمِنِينَ‏.‏ وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ فِي الزَّكَاةِ‏:‏ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْ أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ‏.‏

1187 - مسألة‏:‏

وَيُجْزِئُ الصَّوْمُ لِلثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ مُتَفَرِّقَةٍ إنْ شَاءَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وقال أبو حنيفة‏:‏ لاَ تُجْزِي إِلاَّ مُتَتَابِعَةً وَاحْتَجُّوا بِقِيَاسِهَا عَلَى كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَالْقَتْلِ، وَقَالُوا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ ‏"‏ مُتَتَابِعَاتٍ ‏"‏‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ مِنْ الْعَجَائِبِ أَنْ يَقِيسَ الْمَالِكِيُّونَ‏:‏ الرَّقَبَةَ فِي أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَلاَ يَقِيسُهَا الْحَنَفِيُّونَ عَلَيْهَا، وَيَقِيسُ الْحَنَفِيُّونَ الصَّوْمَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي وُجُوبِ كَوْنِهِ مُتَتَابِعًا عَلَى صَوْمِ كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَإِ، وَالظِّهَارِ، وَلاَ يَقِيسُهُ الْمَالِكِيُّونَ عَلَيْهِ، فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْمَقَايِيسِ الْمُتَخَاذِلَةِ الْمَحْكُومِ بِهَا فِي الدِّينِ مُجَازَفَةً وَأَمَّا قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَهِيَ مِنْ شَرْقِ الأَرْضِ إلَى غَرْبِهَا أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ، وَحَمْزَةَ، وَالْكِسَائِيِّ لَيْسَ فِيهَا مَا ذَكَرُوا ثُمَّ لاَ يَسْتَحْيُونَ مِنْ أَنْ يَزِيدُوا فِي الْقُرْآنِ الْكَذِبَ الْمُفْتَرَى نَصْرًا لأََقْوَالِهِمْ الْفَاسِدَةِ، وَهُمْ يَأْبَوْنَ مِنْ قَبُولِ التَّغْرِيبِ فِي الزِّنَى، لأََنَّهُ عِنْدَهُمْ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ ثُمَّ لاَ يَسْتَحْيُونَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ مِنْ النَّاسِ فِي أَنْ يَزِيدُوا فِي الْقُرْآنِ مَا يَكُونُ مَنْ زَادَهُ فِيهِ كَافِرًا وَمَا إنْ قَرَأَ بِهِ فِي الْمِحْرَابِ اُسْتُتِيبَ وَإِنْ كَتَبَهُ فِي مُصْحَفٍ قُطِعَتْ الْوَرَقَةُ أَوْ بُشِرَ نَصْرًا لِتَقْلِيدِهِمْ، فَإِذْ لَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى تَتَابُعًا مِنْ تَفْرِيقٍ، فَكَيْفَمَا صَامَهُنَّ أَجْزَأَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ 1188 - مسألة‏:‏

وَمَنْ عِنْدَهُ فَضْلٌ عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ وَقُوتِ أَهْلِهِ مَا يُطْعِمُ مِنْهُ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ أَصْلاً، لأََنَّهُ وَاجِدٌ، وَلاَ يُجْزِئُ الْوَاجِدُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ إِلاَّ مَا وَجَدَ، وَلاَ يُجْزِئُ الصَّوْمُ إِلاَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ‏.‏ وَالْعَبْدُ، وَالْحُرُّ، فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَمَنْ حَدَّ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا مِنْ قُوتِ جُمُعَةٍ، أَوْ أَشْهُرٍ، أَوْ سَنَةٍ ‏;‏ كُلِّفَ الدَّلِيلَ، وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ‏.‏ 1189 - مسألة‏:‏

وَلاَ يُجْزِئُ إطْعَامُ بَعْضِ الْعَشَرَةِ وَكِسْوَةُ بَعْضِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ وقال أبو حنيفة، وَسُفْيَانُ‏:‏ يُجْزِئُ وَهَذَا خِلاَفُ الْقُرْآنِ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ‏.‏

1190 - مسألة‏:‏

وَمَنْ حَلَفَ عَلَى إثْمٍ فَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَفْعَلَهُ وَيُكَفِّرَ، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى مَا لَيْسَ إثْمًا فَلاَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا‏:‏ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إذَا رَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ كَانَ هَذَا احْتِجَاجًا صَحِيحًا لَوْلاَ مَا رُوِّينَاهُ فِي ‏"‏ كِتَابِ الصَّلاَةِ فِي بَابِ الْوَتْرِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ ذَكَرَ لَهُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَقَالَ‏:‏ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ قَالَ‏:‏ لاَ إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ وَقَالَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَالزَّكَاةِ كَذَلِكَ، وَاَللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ، وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُنَّ فَقَالَ عليه السلام‏:‏ أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ، دَخَلَ الْجَنَّةَ إنْ صَدَقَ‏.‏ وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ التَّطَوُّعَ بَعْدَ الْفَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِ التَّطَوُّعِ وَخَيْرٌ مِنْ تَرْكِهِ، فَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ عليه السلام يَمِينَهُ تِلْكَ، وَلاَ أَمْرَهُ بِأَنْ يَأْتِيَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، بَلْ حَسَّنَ لَهُ ذَلِكَ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ نَدْبٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏